تعدين الفضاء- بين قانون البحار، القطب الجنوبي، واتفاقية القمر

المؤلف: مازن بن عبدالوهاب كردي10.05.2025
تعدين الفضاء- بين قانون البحار، القطب الجنوبي، واتفاقية القمر

عند التدقيق في المقارنة بين الثروات الفضائية والموارد الموجودة في أعماق البحار الشاسعة، والتي تخضع لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، نجد أنه لا يمكن إقامة تماثل دقيق بينهما. علاوة على ذلك، فإن الحجة القائلة بـ "امتلاك الأسماك وليس البحر" لا يمكن تطبيقها على الثروات الفضائية. فالأسماك، على سبيل المثال، كائنات حية قادرة على التكاثر، مما يضمن استمرار وجودها؛ أي أنها موارد متجددة. بينما الثروات الفضائية، في الغالب، عبارة عن معادن تنضب وتستنفد بمجرد استخراجها، ولا يمكن تجديدها. وبالتالي، فإن القول بأن الثروات الفضائية تشبه الموارد الموجودة في أعالي البحار ليس دقيقًا على الإطلاق.

يبدو أن النظام الأقرب للمقارنة هو نظام قاع البحر العميق، الذي يؤول حق إدارته إلى السلطة الدولية لقاع البحار (ISA). هذه السلطة مسؤولة عن تنظيم ومراقبة جميع الأنشطة في قاع البحر، بما في ذلك التعدين واستخراج الثروات. ووفقًا لنظام السلطة الدولية لقاع البحار "ISA"، تتقاسم الدول الأرباح المالية الناتجة عن التعدين في قاع البحر، الذي يعتبر جزءًا من التراث الإنساني المشترك.

في ظل الغموض الذي يكتنف مسألة تعدين الفضاء الخارجي في القانون الدولي، تبقى مسألة فعالية القوانين الوطنية غير واضحة المعالم. وبالنظر إلى الصعوبات التقنية والقانونية الكبيرة التي تواجه إشكالية تعدين الفضاء الخارجي، سيكون من المفيد إجراء مقارنة بالوضع الراهن في القارة القطبية الجنوبية. هناك، نجحت الآلية التي وضعتها اتفاقية (أنتاركتيكا) في تنظيم مهمة كانت تبدو شبه مستحيلة، وهي تنظيم أنشطة التعدين في منطقة لا تتفق فيها الدول على السيادة. ومن المؤكد أن وضع اتفاقية لتنظيم التعدين في الفضاء الخارجي سيكون أكثر سهولة، نظرًا للإجماع الدولي على مبدأ عدم تملك الفضاء الخارجي، المنصوص عليه في معاهدة الفضاء الخارجي.

صحيح أن معاهدة الفضاء الخارجي تحظر الادعاء بالسيادة أو تملك أي جزء من الفضاء الخارجي أو الأجرام السماوية الأخرى، إلا أنها، في المقابل، لا تضع أي قيود على تصرفات الدول في الفضاء، باستثناء حظر بعض الأنشطة المتعلقة بالاستخدام العسكري والعدواني للفضاء، من جهة، ومبدأ عدم التخصيص، من جهة أخرى. أي أن تكون أنشطة الدول في الفضاء موجهة لخدمة الإنسانية جمعاء. وبالتالي، لا يوجد قيد صريح في معاهدة الفضاء يمنع أنشطة استكشاف الثروات في الفضاء الخارجي واستغلالها.

على الرغم من كل ذلك، هناك سوابق تاريخية تدل على أن المجتمع الدولي قد يكون متقبلاً لتسويق ثروات الفضاء. ففي عام 2004، أصدر المعهد الدولي لقانون الفضاء (IISL) بيانًا يؤكد فيه أن الاستيلاء الخاص على الأجرام الفضائية بأكملها محظور بموجب معاهدة الفضاء الخارجي. إلا أنه، على الرغم من هذا الحظر، أقر المعهد بحق الأفراد والشركات والمنظمات في ممارسة الأنشطة في الفضاء وفقًا للقانون الدولي، وتحت مراقبة وإشراف الدولة.

علاوة على ذلك، قامت كل من الولايات المتحدة وروسيا باستقدام بعض الصخور والغبار من القمر دون أن تواجههما أي تبعات قانونية. وتم بيع عينات صغيرة من تربة القمر، التي أعادها المسبار السوفيتي لونا (16)، في مزاد علني بمبلغ 442,500 دولار. كذلك، أصدر الكونغرس قانونًا في عام 2012 يسمح لرواد الفضاء الأمريكيين بامتلاك وبيع التذكارات التي حصلوا عليها من الفضاء.

للتخفيف من حدة إشكالية الادعاء بملكية الثروات في الفضاء الخارجي، تم اقتراح الاستعاضة عن حق الملكية بحق الامتياز. بمعنى أن الجهة أو المؤسسة التي تكتشف الثروات الفضائية وتصل إليها تتمتع بحق امتياز لاستغلال هذه الثروات والانتفاع بها، دون أن يصل الأمر إلى حد تملك هذه الجهة للثروات الفضائية نفسها. ويمكن تأسيس هذا الرأي على أساس أنه لا يتعارض مع مبدأ التراث الإنساني المشترك للفضاء الخارجي والأجرام السماوية، ولا مع مبدأ عدم التملك في الفضاء الخارجي.

بيد أن الحل الأمثل لهذه المعضلة يكمن في تفعيل المادة الحادية عشرة من اتفاقية القمر والأجرام السماوية الأخرى، وذلك من خلال إنشاء سلطة دولية تتولى مهمة الإشراف والرقابة على استغلال ثروات الفضاء الخارجي، على غرار السلطة الدولية لقاع البحار "ISA". وتكون مهمة هذه السلطة هي تنظيم استغلال الثروات في الفضاء الخارجي بما يعود بالنفع على البشرية جمعاء.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة